الثلاثاء، 8 فبراير 2011

دموع الجلاد من كتاب نهاية البشر مذكرات معتقل

كنت قد ذكرت فى فصول سابقة وفى مواقف مختلفة ان الجميع هنا -قادة الجلادين والجلادين ومساعدى الجلادين والمعتقلين- يعرفون قصتى بالكامل وكيف انى ألقى بى فى هذا المعتقل بعد مؤامرة قذرة تمت بين احد المعتقلين الذى كنت اقوم بعلاجه وبين القائمين على امور المعتقلات والسجون فى البلاد حيث تم استبدالى مكانه ومن منطلق تلك المعرفة بالقصة كان الجميع يعاملنى معاملة خاصة اى رحيمة نوع ما ورغم ذلك كنت اجبر على المشاركة فى جميع فترات التعذيب اليومية والتى تتلخص فى فترة اولى من الرابعة فجرا وحتى السابعة صباحا وفيها نقف فى البرد القارس-شبه عرايا- لاكبر فترة ممكنة اعلانا لبدء يوم جديد فى المعتقل, وفترة ثانية تبدء فى حوالى العاشرة صباحا وحتى الثالثة عصرا وفيها يتم تكليف المعتلقين باعمال شاقة جدا تحتاج فى بعض الاحيان الى الالات عملاقة تقوم بها إلا اننا نجبر على القيام بها بالايدى فقط غير الاستماع الى احط انواع السب واحيانا الضرب القاسى من القادة والجلادين ومساعدى الجلادين,والفترة الثالثة التى تبدأ فى حوالى الخامسة مساء وتستمر طوال الليل وفيها يتم توزيع المعتقلين على اماكن خاصة لا يسمح فيها يالنوم إلا اربعة ساعات على الاكثر ,ورغم كل ذلك فقد انقسم المعتقلين الى عدة فرق يقوم كل فريق بتخفيف قسوة المعتقل بطريقة مختلفة عن الفريق الأخر فالفريق الأول اتجه إلى قضاء الوقت المسموح به-القليل جدا- فى الصلاة والإبتهال إلى الله ودعائه بتيسير الأحوال, والفريق الثانى كانوا يقضون اوقاتهم فى غناء ورقص وممارسة بعض العادات التى لا يتسع المجال لتفصيلها وهؤلاء كانوا يصرون على ان تلك الحالة الهيسترية من مجون وخلاعة هى التى تجعلهم لايشعرون بقسوة الوجبات التعذبية اليومية,والفريق الثالث إتجه الى التخلى عن الجزء المتبقى من الكرامة فى مقابل بعض الراحة الجسدية وذلك من خلال القيام باعمال مهينة لكرامة الإنسان لصالح القائمين على المعتقل وكان هؤلاء يقومون بتبرير موقفهم بان الكرامة قد اهدرت بالفعل فلماذا لا نريح انفسنا قليلا ولو على حساب الكرامة وكان كل فريق على اقتناع بأن منهجه هو السبيل الوحيد للحياة داخل المعتقل وكنا نرى من حين لاخر ان بعض المعتقلبن يتنقلون بين الفرق دون ان يؤثر ذلك على إختفاء فريق من المعتقل او انتصار فريق على باقى الفرق وبالنسبة لى لم انضم إلى أى من الفرق ولكنى اكتفيت بالمتابعة فقط.
وفى أحد الايام علمت انى طفلى والذى لم اراه سوى ساعات معدودة منذ ولادته مريض جدا فاتجهت فورا الى قائد الجلادين حتى يسمح لى برؤية طفلى ولو للحظات , وكان ذلك القائد معروف بحسن أخلاقه-او كذلك اوهم الجميع- كما انه كان متعاطفا معى -أو كذلك أوهمنى- لمعرفته بالمؤامرة التى اوقعتنى فى المعتقل إلا اننى فوجئت به ينهرنى بقسوة شديدة كما امر مساعديه بتلقينى تعذيب إضافى فى ذلك اليوم.مرت ثلاثة أيام والدمع لا تفارق العين والحزن لا يفارق القلب وفى منتصف اليوم الرابع طلبنى قائد الجلادين فى مكتبه فظننت انه سيأمر بتعذيبى من جديد إلا انى فوجئت به يبكى بحرقه شديدة ثم قال بلهجة متقطعة البقية فى حياتك فرحت فى حالة إغماء لمدة تراوحت بين ثلاث وخمس أيام ثم افقت على صوته يبكى مجددا ويقول معلش سامحنى فنظرت إلى السماء ثم تعالى بكاؤنا معا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق