الثلاثاء، 8 فبراير 2011

مستديرة ساحرة

كان الصباح طبيعيا جدا , فالشمس تتراقص فى رقة على سطوح الانهار وقد انطلق المتفائلون - على قلتهم- تدفعم طاقة هائلة نحو السعادة التى تجعل الحياة كبستان للزهور البيضاء التى تخلب عقول الناظرين إليها, كما خرج البائسون -على كثرتهم- تدفعهم طاقة هائلة نحو الإحباط الذى يجعل الحياة كأنهار القطران ينفر منها الناظرون إليها,وفجأة اضطربت رقصة الشمس فى شدة وبدا كأن شيئا غريبا يحدث ولم تمر سوى لحظات قليلة حتى توقفت الحياة تماما وسكن كل متحرك على ما كان عليه سكون غريب يصعب تفسيره أو التعامل معه فقد توقف ضجيج السيارات فى الطرق وتوقفت المشاحنات الساذجة من أجل تفاهات غريبة لم تخلق الحياة من اجلها, توقف الخير بكل مايبثه فى النفوس من طمأنينة وبكل مايجلبه من راحة للبال وتوقف الشر بكل مايبثه فى النفوس من تباغض وبكل مايجلبه من ضيق,بإختصار لقد توقف الإبن الثالث فى الأسرة الشمسية عن العمل بشكله المعتاد لخلل ما حدث فى الطاقة المحركة لهذه الكرة الزرقاء المسماة الأرض,وفى أثناء ذلك ضاقت العقول بأجسادها فإنطلقت فى ذلك الفضاء الساكن تماما تلهو وتعبث بتلك الاجساد التى فقدت الحياة تماما وأخذ كل عقل يغزو جسدا غير جسده الذى إعتاد عليه فأخذت العقول فى التطاير بين الأجساد والتنقل بين الأغنياء والفقراء بين المرضى والأصحاء بين السعداء والتعساء بين الأذكياء والبلهاء بين الأخيار والأشرار بين المؤمنين والملحدين بين المتفائلين والبائسين بين الآدميين والحيوانات ,فهذا عقل سيدة ريفية يغزو جسد أغنى اغنياء العالم فيحس الرجل بالطمأنية لأن بقرته قد أدرت له لبنا وفيرا بالأمس,وهذا عقل مجند يغزو جسد فتاة فى العشرينيات فتحس الفتاة بالشجاعة لوقوفها وحيدة فى حراسة أحد التلال التى يخزن وراءها الذخيرة,وهذا عقل طفل صغير يغزو جسد أحد السياسيين فيحس الرجل بالرضا لأن حصل على نجمة حمراء فى كشكول الإملاء,وهذا عقل قطة يغزو جسد إحدى كبار نجمات السينما فتحس النجمة بالسعادة لأنها تناولت كميات لا بأس بها من عظام الأسماك التى حصلت عليها من البيت الذى تسكنه,وهذا عقل عصفور يغزو جسد أستاذ جامعى فيحس أن هناك أصوات أعذب وأرق من صوت الأنا ,وهكذا استمرت العقول فى التلاعب بأجساد ومشاعر أصحابها فتريهم ما فى الحياة من أسرار وعجائب و تطلعهم على ما فيها من مصادر للرضا وكوامن للسعادة وكنوز للحب.وبينما العقول على حالها هذا إذا بإضطراب يحدث من جديد فيتحرك الساكن وتنطلق الكرة فى دورانها من جديد كأن شيئا لم يحدث كما تعود العقول كل إلى جسده الأصلى وتتراقص الشمس فى هدوء على سطوح الأنهار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق